يعتبر الخبير في مجال الطاقة، أحمد طرطار، أن رؤية الرئيس عبد المجيد تبون بشأن الاستشراف وترشيد استهلاك الطاقة تمثل خطوة استراتيجية هامة نحو تحقيق استدامة في قطاع الطاقة بالجزائر. ووفقًا لطرطار، فإن هذه الرؤية تستند إلى أسس علمية مدروسة، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة مثل الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، حيث أن الجزائر تمتلك إمكانيات كبيرة في هذا المجال.
خليدة سفيان
وأفاد خلال اتصال هاتفي مع جريدة “المصدر” أن “الاستشراف هو أساس وضع البرامج وتحقيق الأهداف المستقبلية، مما يؤدي إلى تحقيق مكاسب جمة، خاصة إذا كان هذا الأخير مبنيًا على استراتيجية متكاملة تكون مرتبطة بكل العناصر المحيطة، سواء كانت مرتبطة بالبعد البيئي أو الصناعي أو غيرهما من الأبعاد، عندئذ يمكن تحقيق الأهداف المرسومة “.
والتفكير في هذا الاستشراف ـ حسب قوله ـ يساعد في تطوير استراتيجيات فعالة من شأنها أن تدير موارد الطاقة بأحسن وجه. هذا الأخير ينطلق أساسًا من حسن استغلال هذه الموارد لكي تكون في خدمة المجتمع الحاضر والقادم، أو ما يسمى باستهدافات التنمية المستدامة في سياق تعاقب الأجيال ويكون ذلك باستغلال هذه الموارد الاستغلال الناجع وعندئذ تكون هذه النظرة نظرة صائبة وذات أبعاد اقتصادية وذات جدوى يمكن من خلالها أن يستفيد الجميع.
ولتحفيز الاستثمار في مشاريع الطاقة، يقول الخبير في المجال “سواء كانت أحفورية أو متجددة، يجب وضع سياسات وإجراءات فعالة، ترتكز على تهيئة أدوات استثمارية جاذبة ومحفزة وتحقيق هذه الغاية يتطلب استمرارية القوانين وتطويرها على نحو يزيل القيود التي كانت تعيق النشاط الاقتصادي وذلك من خلال إعادة النظر في قانون المحروقات لسنة 2019، وإصلاح قانون الاستثمار في منتصف 2022، وما تلاهما من إجراءات تحفيزية في مجالات العقار الفلاحي والصناعي.” مؤكدًا على أن “هذه الإصلاحات مكنت من التخلي عن الصيغة القديمة 49-51 التي كانت تعرقل الاستثمار، ومحاربة البيروقراطية المقيتة التي كانت تعرقل المستثمرين من خلال التجاوب مع الطعون المقدمة من أعلى هرم السلطة في أقل من شهر. هذه الإجراءات مهدت لأرضية مناسبة لتجسيد الاستثمارات في قطاع الطاقة وغيره من القطاعات.”
ولتفعيل جاذبية الاستثمار، يتابع محدثنا القول “يجب الاستمرار في الترويج لبيئة عمل محفزة، وجذب المزيد من الاستثمارات المباشرة، مع طمأنة المستثمرين، بالإضافة إلى ذلك يتعين تفعيل الرقمنة في هذا القطاع، وتطوير أداء المصارف العمومية خاصة الموجودة في الداخل لتضطلع بدور فعال في مرافقة الاستثمار وتوجيه الفاعلين نحو المشاريع المختلفة، خاصة مع فتح صيغ الصيرفة الإسلامية التي يمكن أن تعطي دفعة قوية للاستثمار.”
وقال في نفس السياق إنه “في اجتماع مجلس استهلاك الطاقة، أكد رئيس الجمهورية على حرص الدولة الجزائرية على وضع رؤية شاملة، على المدى القصير والمتوسط وكذلك الطويل، تهدف إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين في مجال الطاقة. وتتحقق هذه الرؤية من خلال زيادة الاستثمار في قطاع الطاقة، ومنع أي شكل من أشكال التبذير والإسراف في استخدام المنتجات الطاقوية.”
وتابع طرطار إن “الجزائر حققت تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، حيث رسمت مشاريع هامة ساهمت في تغطية 97 % أو أكثر من السكان بالكهرباء، و78 % بالغاز المنزلي، وهو ما يمثل نقلة نوعية بالنسبة للمجتمع الجزائري.” مؤكدًا أن “الدولة تواصل جهودها لتغطية المناطق النائية بالكهرباء والغاز، بهدف الوصول إلى تغطية شاملة لكافة مناطق الوطن.”
فبالإضافة إلى هذه الجهود، يقول الخبير في المجال الطاقوي إنه “يجب أيضًا تحفيز المواطنين على ترشيد الاستهلاك، من خلال التوعية بأهمية الحفاظ على الطاقة، واستخدام التقنيات الحديثة لتنويع استخداماتها.” فهذا الأخير حسبه “مرتبط بعنصرين مهمين الأول هو تحفيز المواطنين على ترشيد الاستهلاك، والثاني هو تطبيق آليات تسعير تفاضلية، بحيث يتم فرض رسوم إضافية على الاستهلاك الذي يتجاوز المتوسط، على غرار ما هو معمول به في فواتير الكهرباء والماء.”
علاوة على ذلك أكد طرطار على أنه “يجب تنويع مصادر الطاقة من خلال تطوير استخدامات الطاقة الشمسية، التي تم إطلاق مشاريع واعدة في مجالها منذ 2013، وتوسيع إنتاج الطاقات المتجددة على غرار مشروع “سولار 1000 ميجاوات” الذي يهدف إلى إنتاج 15000 ميجاوات بحلول 2030″. متابعًا قوله إن “الجزائر تسعى إلى تتويج محطات كهربائية في 12 ولاية هضبية وجنوبية، بالإضافة إلى 6 محطات في ولاية تندوف، مع ربط شبكة الكهرباء بين الشمال والجنوب، لضمان استدامة تدفق الكهرباء، وربما حتى الانفتاح على العمق الإفريقي.”
كل هذه المعطيات ـ حسبه ـ من شأنها أن تسهم في تحقيق أهداف الجزائر في مجال الطاقة، بما يضمن الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، وتعزيز تنمية اقتصادية مستدامة، مع التركيز على تطوير مصادر الطاقة البديلة، مثل الهيدروجين الأخضر والأمونيا، وتنقية الغاز، لجعله أكثر ملاءمة للبيئة.
يذكر أن رئيس الجمهويرية عبد المجيد تبون ترأس اجتماعًا لمجلس الوزراء مؤخرًا أكد فيه على أهمية الاستشراف وترشيد استهلاك مختلف أنواع الطاقة التي تواصل الدولة زيادة الإنتاج فيها من خلال اعتماد أسلوب ضبط وتحكم جديد يرتكز على دراسات معمقة تقدم لنا حلولًا متكاملة للحفاظ على الطاقة واستغلالها في تطوير مختلف الصناعات مع الاستثمار في الطاقات الجديدة مثل الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية حيث تتوفر الجزائر على إمكانيات كبيرة في هذا المجال.
كما وجه الرئيس الحكومة بوضع تصور شامل على المديين القصير والمتوسط وحتى البعيد بطريقة مدروسة علميًا تسمح بالحفاظ على القدرة الشرائية لاستهلاك المواطن للطاقة وذلك بزيادة الاستثمارات الطاقوية ومحاربة التبذير بكل أشكاله.