–فرصُ الابتكار في 9 قطاعاتٍ حيويّة
قطاع الابتكار وريادة الأعمال في الجزائر شهد تطورًا تدريجيًا في السنوات الأخيرة، رغم التحديات العديدة. الجامعات، ومنها جامعة قسنطينة 3، تلعب دورًا كبيرًا في دعم الابتكار، حيث تهدف إلى تزويد الطلاب بالمعرفة والمهارات اللازمة لتحقيق النجاح في هذا المجال. في هذا الحوار، يتحدث مدير جامعة قسنطينة 3 صالح بوبنيدر وعضو اللجنة الوطنية التنسيقية لمتابعة الابتكار وريادة الاعمال، شعبان بعيطيش، عن دور الجامعة في دعم الابتكار وريادة الأعمال.
حاورته: خليدة سفيان
بدايةً، كيف تقيمون حال قطاع الابتكار وريادة الأعمال في الجزائر اليوم؟
يشهد قطاعنا تطورًا تدريجيًا، يصحبه وعي واهتمام متزايد من شبابنا، حيث ظهرت العديد من المبادرات المحلية التي تهدف إلى دعم المشاريع الناشئة من خلال حاضنات الأعمال والمسابقات الريادية، ودعم حكومي مشجع عبر هيئات مثل “الجيريا فونتير” وصندوق تمويل المؤسسات الناشئة واعادة بعث الوكالة الوطنية لدعم وتطوير المقاولاتية.
نرى نموًا في الشركات التقنية، خاصة في مجالات مثل البرمجة والتقنية المالية والذكاء الاصطناعي، وهذا يعكس توجهًا نحو اقتصاد متنوع بعيدًا عن النفط. وهو ما يفتح أبواباً واسعة للابتكار وريادة الأعمال في القطاعات غير التقليدية مثل السياحة، الطاقة المتجددة، والصناعات الغذائية.
على الرغم من أن الابتكار وريادة الأعمال في الجزائر لا يزالان في مرحلة التطوير، إلا أن هناك إشارات واعدة تشير إلى إمكانية أن يصبح هذا القطاع محركاً رئيسياً للاقتصاد في المستقبل إذا تم التغلب على بعض التحديات الهيكلية.
بصفتكم مديرًا لجامعة قسنطينة 3، ما هي أهم المشاريع الابتكارية التي تم دعمها من قبل حاضنات الأعمال الجامعية في جامعتكم؟ وما هي أبرز المشاريع التي حققت نجاحات ملحوظة؟
حاضنة الاعمال بجامعة قسنطينة 3 تدعم جميع المشاريع وفي كل المجالات ولكن وبحكم التخصصات الموجودة في الجامعة فان التركيز الأكبر يكون على مشاريع في مجال هندسة الطرائق والهندسة الصيدلانية وبعض المشاريع المتعلقة بالطاقات المتجددة .
ما هي المعايير التي يتم على أساسها تقييم المشاريع الابتكارية في حاضنات الأعمال الجامعية؟
تقييم المشاريع الابتكارية في حاضنات الأعمال الجامعية يعتمد على عدة معايير رئيسية تهدف إلى قياس إمكانيات المشروع في النمو والاستدامة هذه المعايير قد تختلف قليلاً من حاضنة إلى أخرى.
نبدأ بالابتكار والإبداع في الفكرة، ثم نتحقق من الجدوى التقنية لإمكانية تحقيقها. فالجدوى السوقية مهمة جدًا، فنحن نحلل حاجة السوق للمنتج أو الخدمة في السوق، الفئة المستهدفة، والمنافسة والطلب المتوقع. كما نقيم الاستدامة الاقتصادية للمشروع، بما في ذلك نموذج الربح وخطة التمويل
فمن المهم أن يكون المشروع قادراً على توليد إيرادات وتغطية تكاليفه بشكل مستدام. اضافة الى انه لا يجب ان نغفل على أهمية الفريق المؤسس وقدرته على التنفيذ.وكذا الاهتمام ايضا بالأثر الاجتماعي والبيئي للمشاريع، وإمكانية التوسع والنمو المستقبلي، وجودة خطة العمل، وقدرة الفريق على التكيف والتعلم.
وهل هناك برامج تدريبية موجهة للطلبة لتحسين مهاراتهم الريادية في حاضنات الأعمال الجامعية؟
بالتأكيد. تقدم حاضنات الأعمال الجامعية مجموعة متنوعة من البرامج التدريبية لتطوير مهارات رواد الأعمال. تشمل هذه البرامج التدريب على تطوير الفكرة وتحويلها إلى مشروع، ودورات في كتابة خطة العمل الشاملة، وبرامج في إدارة الأعمال الأساسية، ودورات متخصصة في النموذج المالي للمشاريع الناشئة. كما نهتم بتدريبهم على التسويق والمبيعات، بما في ذلك التسويق الرقمي، بالإضافة إلى دورات في الابتكار التكنولوجي لمن لديهم مشاريع في هذا المجال. لا ننسى أهمية مهارات القيادة وبناء الفريق، والتطوير الشخصي لرواد الأعمال، والتدريب على استخدام الإعلام الاجتماعي في التسويق. نقدم أيضًا دورات متخصصة في الاستدامة وريادة الأعمال الاجتماعية، وبرامج تدريبية على البحث عن مصادر التمويل المختلفة، وأخيرًا، دورات حول الحماية القانونية للأفكار والمشاريع.
بشكل عام، تهدف هذه البرامج إلى تقديم الدعم الكامل للمشاريع الناشئة في مختلف مراحلها، بدءًا من الفكرة حتى التنفيذ الفعلي والنمو.
تقدم الحاضنات هذه البرامج ضمن بيئة تعليمية وتدريبية تهدف إلى تعزيز مهارات رواد الأعمال وزيادة فرص نجاح مشاريعهم في السوق.
ما هي القطاعات التي تظنون أنها تحمل فرصًا واعدة للابتكار وريادة الأعمال في الجزائر؟ وما هي العوامل التي تدعم نمو هذه القطاعات؟
في الجزائر، هناك عدة قطاعات تحمل فرصًا واعدة للابتكار وريادة الأعمال، حيث يمكن للمشاريع المبتكرة أن تسهم في تطوير الاقتصاد الوطني وتحقيق تنوع اقتصادي بعيدًا عن الاعتماد على النفط والغاز. من أبرز هذه القطاعات التكنولوجيا الرقمية والابتكار التكنولوجي ، اذ ان هناك حاجة ملحة لتطوير تطبيقات وبرمجيات مبتكرة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، البيانات الكبيرة، الحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء. كما يمكن لرواد الأعمال تطوير حلول تكنولوجية في مجالات مثل التجارة الإلكترونية، التقنية المالية، الصحة الرقمية، والتعليم عن بعد.
إلى جانب التكنولوجيا الرقمية،يوجد قطاع الطاقة المتجددة فهو يمثل مجالًا واعدًا نظرًا للموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها الجزائر ، خصوصًا في مجالات الطاقة الشمسية والرياح فالابتكار في الطاقة الشمسية والطاقة الريحية يمكن أن يسهم في تحقيق تحول نحو الطاقة النظيفة. يمكن القول ان هذا المجال يقدم فرص في مشاريع إنتاج الألواح الشمسية، محطات الطاقة الشمسية الكبيرة، تطوير تقنيات تخزين الطاقة، وأيضًا الابتكار في الكهرباء الذكية .
قطاع الزراعة والصناعات الغذائية هو الآخر يحمل إمكانيات كبيرة. فالجزائر تتمتع بمساحات زراعية شاسعة لم تُستغل بالشكل الأمثل.
يمكن ايضا لرواد الأعمال الابتكار في الزراعة الذكية باستخدام تقنيات مثل الزراعة المائية والزراعة العمودية. و تطوير تقنيات الري الذكي، الزراعة المستدامة، وتحسين تقنيات التصنيع الغذائي المحلي. أيضًا، هناك فرص كبيرة في المنتجات العضوية والمستحضرات الطبيعية.
السياحة، الجزائر تتمتع بمناطق سياحية متنوعة وغنية، لكنها لم تحقق بعد كامل إمكاناتها. هناك فرص كبيرة في السياحة البيئية والسياحة الثقافية فمن الممكن ان تكون هناك مشاريع مبتكرة في التسويق الرقمي للسياحة، لتطوير الوجهات السياحية، وإنشاء منصات لتجارب السفر المميزة، بالإضافة إلى السياحة الصحية.
في مجال الصحة والرعاية الصحية،مع تقدم التكنولوجيا، هناك فرص لتطوير تطبيقات الطب عن بُعد، التشخيص الذكي، وإنشاء منصات صحية إلكترونية. علاوة على ذلك، هناك فرصة كبيرة في تطوير أجهزة طبية مبتكرة، منصات صحية إلكترونية، و منتجات صحية محلية. اضافة الى الأدوية البيولوجية و الأبحاث الطبية.
قطاع التعليم والتدريب المهني يشهد أيضًا فرصًا كبيرة في الجزائر. مع زيادة الطلب على المهارات التقنية والمتخصصة، هناك فرصة كبيرة في التعليم الإلكتروني و منصات التدريب عن بعد.
هناك فرصة كبيرة في تطوير دورات تعليمية رقمية في مجالات مثل البرمجة، التسويق الرقمي، والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى البرامج التدريبية الخاصة بالشركات لتطوير مهارات العمال.
الصناعات التحويلية في الجزائر تعد من القطاعات التي يمكن أن تستفيد بشكل كبير من الابتكار. بالتركيز على تقنيات إعادة التدوير وتصنيع المواد البلاستيكية، بالإضافة إلى تطوير صناعة الإلكترونيات وتصنيع الآلات، هناك فرصة كبيرة في إنشاء مصانع مبتكرة تعتمد على التكنولوجيا النظيفة و إعادة التدوير أو التصنيع المحلي للأجزاء الميكانيكية والإلكترونية.
لا يقل أهمية عن ذلك قطاع النقل واللوجستيات، هناك حاجة ماسة لتحسين شبكة النقل والخدمات اللوجستية في الجزائر، خاصة في مناطق خارج المدن الكبرى.
هناك فرصة كبيرة في تطوير حلول للنقل الذكي، خدمات التوصيل، منصات اللوجستيات الرقمية، وتقنيات إدارة حركة المرور.
أخيرًا، قطاع المياه والصرف الصحي يعد من القطاعات المهمة التي تحتاج إلى ابتكار لحل المشكلات المتعلقة بالمياه في الجزائر. يمكن لرواد الأعمال تطوير تقنيات متقدمة لمعالجة المياه وإعادة تدويرها، بالإضافة إلى ابتكار حلول للصرف الصحي الذكي. بناء محطات معالجة مياه مبتكرة وأنظمة لتخزين المياه وإدارتها.
كخلاصة، الجزائر تشهد تطورًا ملحوظًا في العديد من القطاعات التي تحمل فرصًا واعدة للابتكار وريادة الأعمال. القطاعات مثل التكنولوجيا الرقمية، الطاقة المتجددة، الصحة، و الزراعة تقدم إمكانات كبيرة لتنمية المشاريع المبتكرة التي يمكن أن تساهم في تنويع الاقتصاد المحلي ورفع كفاءته.
كعضو في اللجنة الوطنية التنسيقية، كيف ترون دور الجامعات الجزائرية في بناء ثقافة الابتكار والريادة؟ وما هو الدور الذي تلعبه الجامعة في هذا الصدد؟
دور الجامعات محوري وأساسي في بناء ثقافة الابتكار والريادة. يجب أن تعمل الجامعات على تحفيز التفكير الابتكاري بين الطلاب، وتطوير حاضنات الأعمال الجامعية لدعم مشاريعهم، وتعزيز التعاون مع القطاع الخاص والصناعة لخلق فرص حقيقية.
من المهم أيضًا إدماج مفاهيم ريادة الأعمال في المناهج الدراسية لتكوين جيل من رواد الأعمال، وتعزيز الثقافة الريادية من خلال الأنشطة والفعاليات المتنوعة، ودعم البحث العلمي والابتكار الذي يمكن أن يتحول إلى مشاريع ريادية.
وأخيرًا، إشراك الخريجين في دعم ثقافة الابتكار من خلال برامج التوجيه والإرشاد. الجامعة هي البيئة المثالية لغرس بذور الابتكار وتنمية العقلية الريادية لدى الشباب.
هل توجد استراتيجية واضحة لدعم المشاريع الريادية الطلابية في مرحلة ما بعد التخرج؟
نعم، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وضعت استراتيجية واضحة وشاملة لدعم المشاريع الريادية الطلابية في مرحلة ما بعد التخرج في الجزائر على غرار بعض الدول الأخرى التي تركز بشكل مكثف على دعم الابتكار وريادة الأعمال بعد التخرج.
و ذلك، من خلال بعض المبادرات والبرامج التي تم إطلاقها والتي تهدف إلى مساعدة الطلبة المتخرجين الخريجين في تحويل أفكارهم إلى مشاريع مبتكرة .
أبرزها القرار الوزاري 1275 الذي يهدف إلى تحويل مشاريع تخرج الطلاب إلى مؤسسات ناشئة وبراءات اختراع. كما بدأت بعض الجامعات الجزائرية في إنشاء حاضنات أعمال تقدم دعمًا استشاريًا، ورش عمل تدريبية، ومرافقة للطلبة.
بالإضافة إلى مراكز تطوير المقاولاتية التي تعمل بالتعاون مع وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، وبرامج تمويلية من الحكومة مثل الصندوق الوطني لتمويل المؤسسات الناشئة. أيضًا، تقدم بعض المنظمات الخاصة دعمًا للخريجين من خلال التمويل والتوجيه.
رغم هذه المبادرات، هناك تحديات تواجه دعم المشاريع الريادية، مثل الافتقار إلى استراتيجية شاملة ومنسقة بين الجهات المختلفة، قلة فرص التمويل، نقص التوجيه والارشاد المتخصص، وضعف التواصل مع الصناعة.
كيف يمكن تحسين دعم المشاريع الريادية بعد التخرج؟
لتحسين هذا الدعم، يُنصح بانشاء استراتيجية وطنية لدعم ريادة الأعمال للطلبة المتخرجين، حيث ينبغي على الحكومة الجزائرية أن تنشئ استراتيجية شاملة لدعم المشاريع الريادية بعد التخرج، تتضمن برامج تمويلية مرنة، وتوجيه مهني مستمر، وتعاون مع القطاع الخاص. يجب أن تكون هناك مبادرات لتحفيز الخريجين على تحويل أفكارهم إلى مشاريع قابلة للتنفيذ في السوق.
تعزيز الحاضنات وتوسيع نطاقها، يجب على الجامعات والمؤسسات التعليمية العمل على توسيع نطاق الحاضنات وتقديم دعم أكبر للخريجين في هذه المرحلة الحاسمة. قد يشمل ذلك توفير موارد مالية، استشارات تقنية، والتوجيه المستمر للمشاريع الناشئة.
التعاون مع القطاع الخاص حيث من المهم تحسين التعاون بين الجامعات والشركات لدعم الخريجين في إطلاق مشاريعهم الريادية. الشركات الكبرى يمكن أن تلعب دورًا هامًا في توفير الفرص التمويلية والتوجيه الفني والإداري.
وإنشاء برامج تدريبية بعد التخرج من خلال برامج تدريبية شاملة ودورات تخصصية، يمكن للجامعات أن تساعد الخريجين على تطوير مهارات ريادة الأعمال اللازمة مثل كيفية تأسيس وإدارة الشركات، كيفية جذب المستثمرين، والتسويق للمشاريع الريادية.
في الأخير، ما هي النصائح التي تقدمها للطلبة الذين يطمحون إلى دخول مجال ريادة الأعمال والابتكار؟ وهل هناك مراجع أو مهارات يجب على الطلبة التركيز عليها لتنمية قدراتهم الريادية؟
إذا كنت طالبًا يطمح إلى دخول مجال ريادة الأعمال والابتكار، فإن هذا المجال يتطلب منك مزيجًا من المهارات والمعرفة، فضلاً عن التفكير الإبداعي والالتزام القوي بتحقيق أهدافك. فنصيحتي للطلبة الطموحين هي أن يبدأوا بتطوير عقلية ريادية، بالتفكير بشكل مختلف والاستعداد للمخاطرة والتعلم من الفشل.
عليهم أن يطوروا مهاراتهم في البحث والتعلم المستمر، وأن يبدأوا بتطبيق ما يتعلمونه في مشاريع صغيرة لتنمية خبراتهم العملية.
من المهم جدًا بناء شبكات علاقات قوية والبحث عن فرص للتعاون، والتركيز على إيجاد مشاكل حقيقية وابتكار حلول لها.
يجب أن يكونوا مرنين وقادرين على التكيف مع التغيرات، وأن يبحثوا عن مصادر التمويل المناسبة و يتعلموا كيفية كتابة خطة عمل قوية.
إدارة الوقت والموارد وتعلم فن التسويق والمبيعات أساسيان للنجاح. أنصحهم أيضًا بالبحث عن التوجيه والإرشاد من ذوي الخبرة والاستفادة من تجارب الآخرين.
أما بالنسبة للمهارات والمراجع، فعليهم التركيز على تطوير مهارات أساسية في ريادة الأعمال مثل التفكير الابتكاري، إدارة الوقت والمشروعات، التخطيط الاستراتيجي، التسويق والمبيعات، القيادة واتخاذ القرارات، والتمويل وإدارة الأموال.
بالإضافة إلى ذلك، المهارات الشخصية مثل المرونة، القدرة على التفاوض، والتحليل النقدي مهمة جدًا. أنصحهم بقراءة الكتب والمقالات المتخصصة في ريادة الأعمال والابتكار، والاستفادة من الدورات التدريبية عبر الإنترنت في المجالات المذكورة، ومتابعة المدونات الصوتية والمجتمعات الريادية عبر الإنترنت لتبادل الخبرات والمعرفة.
التطبيق العملي لما يتعلمونه والبحث عن مرشدين من رواد الأعمال الناجحين سيكون له أثر كبير في تطوير قدراتهم الريادية.